فصل: ذكر وصول الموفق إلى قتال الزنج وفتح المنيعة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر موت يعقوب وولاية أخيه عمرو:

وفيها مات يعقوب بن الليث الصفار تاسع شوال بجند يسابور من كور الأهواز، وكانت علته القولنج، فأمره الأطباء بالاحتقان بالدواء، فلم يفعل، واختار الموت.
وكان المعتمد قد أنفذ إليه رسولاً وكتاباً يستميله ويترضاه، ويقلده أعمال فارس، فوصل الرسول ويعقوب مريض، فجلس له، وجعل عنده سيفأن ورغيفاً من الخبز الخشكار، ومعه بصل، وأحضر الرسول، فأدى الرسالة، فقال له: قل للخليفة إنني عليل، فإن مت فقد استرحت منك واسترحت مني، وإن عوفيت فليس بيني وبينك إلا هذا السيف، حتى آخذ بثأري، أوتكسرني وتعقرني، وأعود إلى هذا الخبز والبصل؛ وأعاد الرسول، فلم يلبث يعقوب أن مات.
وكان الحسن بن زيد العلوي يسمى يعقوب بن الليث السندان لثباته؛ وكان يعقوب قد افتتح الرخج، وقتل ملكهأن وأسلم أهلها على يده، وكانت مملكته واسعة الحدود، وكان اسم ملكها كتير، وكان يحمل على سرير من ذهب يحمله اثنا عشر رجلأن وابتنى على جبل عال بيتأن وسماه مكة، وكان يدعي الإلهية، فقتله يعقوب، وافتتح الخلجية وزابل وغير ذلك، ولم أعلم أي سنة كان ذلك حتى اذكره فيها.
وكان يعقوب عاقلأن حازماً: من عاشرته أربعين يوماً فلم تعرف أخلاقه، فلا تعرفها في أربعين سنة؛ وقد تقدم من سيرته ما يدل على عقله.
ولما مات قام بالأمر بعد أخوه عمروبن الليث، وكتب إلى الخليفة بطاعته، فولاه الموفق خراسان، وفارس، وأصبهان، وسجستان، والسند، وكرمان، والشرطة ببغداد، وأشهد بذلك، وسيره إليه مع الخلع.

.ذكر عدة حوادث:

وفي هذه السنة وثب القاسم بن مهاة بدلف بن عبد العزيز بن أبي دلف بأصبهان، فقتله، ووثب جماعة من أصحاب أبي دلف بالقاسم، فقتلوه وريسوا عليهم أحمد بن عبد العزيز.
وفيها لحق محمد المولد بيعقوب بن الليث، فأكرمه يعقوب، وأحسن إليه. فأمر الخليفة بقبض أمواله وعقاره.
وفيها قتلت الأعراب جعلان، المعروف بالعيار، بدممأن وكان خرج يسير قافلة فقتلوه، فوجه في طلبهم، فلم يلحقوا.
وفيها حبس الموفق سليمان بن وهب، وابنه عبيد اله، وعدة من أصحابهمأن وقبض أموالهم وضياعهم، خلا أحمد بن سليمان، ثم صالح سليمان وابنه عبيد الله على تسع مائة ألف دينار، وجعلا في موضع يصل إليهما من أرادوأن وعسكر موسى بن أتامش، وإسحاق بن كنداجيق، والفضل بن موسى بن بغأن وعبروا جسر بغداد، ومنعهم الموفق، فلم يرجعوأن ونزلوا صرصر، فاستكتب أبوأحمد الموفق صاعد بن مخلد، فمضى إلى أولئك القواد فردهم من صرصر فخلع عليهم.
وفيها خرج خمسة بطارقة من الروم إلى أذنة فقتلوا وأسروا، وكان أرجوز والي الثغور، فعزل عنهأن فأقام مرابطأن وأسروا نحواً من أربع مائة، وقتلوا نحواً من ألف وأربع مائة، وذلك في جمادى الأولى.
وفيها غلب أحمد بن عبد الله الخجستاني على نيسابور، وسار الحسين ابن طاهر بن عبد الله إلى مرو، وهوعامل أخيه محمد بن طاهر، وأخربت طوس.
وفيها استوزر أبوالصقر إسماعيل بن بلبل.
وفيها وثب جماعة من الأعراب، من بني أسد، على علي ين مسرور البلخي قبل وصوله إلى المغيثة بطريق مكة، وكان الموفق ولاه الطريق.
وفها بعث ملك الروم إلى أحمد بن طولون عبد الله بن رشيد بن كاوس وعدة أسرى، وأنفذ معهم عدة مصاحف منه هدية إليه، وحج بالناس هارون ابن محمد بن إسحاق بن موسى بن عيسى الهاشمي.
وفيها كانت موافاة أبي المغيرة عيسى بن محمد المخزومي إلى مكة لصاحب الزنج.
وفيها توفي أبوبكر أحمد بن منصور الزنادي وعمره ثلاث وثمانون سنة؛ وإبراهيم بن هاني أبوإسحاق النيسابوري، وكان من الأبدال قد صحب أحمد بن حنبل؛ وعلي بن حرب بن محمد الطائي الموصلي ومولده سنة خمس وسبعين ومائة وقيل غير ذلك، وقد تقدم؛ وعلي بن موفق الزاهد.
وفيها قتل أبوالفضل العباس بن الفرج الرياشي، قتله الزنج بالبصرة، أخذ العلم عن أبي عبيدة والأصمعي.

.حوادث سنة ست وستين ومائتين:

.ذكر أخبار الزنج مع أغرتمش:

في هذه السنة ولي أغرتمش ما كان يتولاه تكين البخاري من أعمال الأهواز، فدخل تستر في رمضان، ومعه أبأن ومطر بن جامع، وقتل مطر ابن جامع جعفرويه غلام علي بن أبان، وجماعة معه كانوا مأسورين، وساروا إلى عسكر مكرم، وأتاهم الزنج هناك مع علي بن أبان، فاقتتلوأن فلما رأوا كثرة الزنج قطعوا الجسر وتحاجزوأن ورجع علي إلى الأهواز، وأقام أخوه الخليل بالمسرقان في جماعة كثيرة من الزنج.
وسار أغرتمش ومن معه نحوالخليل ليعبروا إليه من قنطرة أربك، فكتب إلى أخيه علي، فوافاه في النهر، وأخاف أصحابه الذين خلفهم بالأهواز، فارتحلوا إلى نهر السدرة، وتحارب علي وأغرتمش يومهم، ثم انصرف علي إلى الأهواز، فلم يجد أصحابه الذي خلفهم بالأهواز، فوجه من يردهم من نهر السدرة، فعسر عليهم ذلك، فتبعهم وأقام معهم، ورجع أغرتمش فنزل عسكر مكرم، واستعد علي لقتالهم.
وبلغ ذلك أغرتمش ومن معه من عسكر الخليفة، فساروا إليه، فكمن لهم علي وقدم الخليل إلى قتالهم، فاقتتلوأن فكان أول النهار لأصحاب الخليفة، ثم خرج عليهم الكمين، فانهزموا وأسر مطر بن جامع وعدة من القواد، فقتله علي بغلامه جعفرويه، وعاد إلى الأهواز، وأرسل رؤوس القتلى إلى الخبيث العلوي.
وكان علي وأغرتمش بعد ذلك في حروبهم على السواء، وصرف صاحب الزنج أكثر جنوده إلى علي بن أبان؛ فلما رأى ذلك أغرتمش وادعه، وجعل علي يغي على النواحي، فمن ذلك أنه أغار على قرية بيروذ فهبهأن ووجه الغنائم إلى صاحبه.

.ذكر دخول الزنج رامهرمز:

وفيها دخل علي بن أبان والزنج رامهرمز؛ وسبب ذلك أن محمد بن عبيد الله كان يخاف علي بن أبان لما في نفس علي منه، لما ذكرناه، فكتب إلى انكلاي بن العلوي وسأله أن يسأل أباه ليرفع يد علي عنه ويضمه إلى نفسه، فزاد ذلك غيظ علي منه، وكتب إلى الخبيث بالإيقاع بمحمد، ويجعل ذلك الطريق إلى مطالبته بالخراج، فأذن له، فكتب إلى محمد يطلب منه حمل الخراج، فمطله ودافعه، فسار إليه علي وهوبرامهرمز، فهرب محمد عنهأن ودخلها علي والزنج فاستباحهأن ولحق بأقصى معاقله، وانصرف علي غامناً.
وخاف محمد فكتب إليه يطلب المسالمة، فأجابه إلى ذلك على مال يؤديه إليه، فحمل إليه مائتي ألف درهم، فأنفذها إلى صاحب الزنج، وأمسك عن محمد بن عبيد الله وأعماله.

.وقعة أكراد داربان والزنج:

وفيها كانت وقعة للزنج انهزموا فيهأن وكان سببها أن محمد بن عبيد الله كتب إلى علي بن أبان، بعد الصلح، يسأله المعونة على الأكراد الدارنان، على أن يجعل له ولأصحابه غنائمهم، فكتب علي إلى صاحبه يستأذنه، فكتب إليه أن وجه إليه جيشأن وأقم أنت، ولا تنفذ أحداً حتى تستوثق منه بالرهائن ولا يأمن غزوه والطلب ثاره. فكتب عل إلى محمد يطلب منه اليمين والرهائن، فبذل له اليمين، ومطله بالرهائن، فلحرص علي على الغنائم أنفذ إليه جيشأن فسير محمد معهم طائفة من أصحابه إلى الأكراد، فخرج إليهم الأكراد فقاتلوهم، ونشبت الحرب، فتخلى أصحاب محمد عن الزنج، فانهزموا وقتلت الأكراد منهم خلقاً كثيراً.
وكان محمد قد أعد لهم من يتعرضهم إذا انهزموأن فصادفوهم، وأوقعوا بهم، وسلبوهم، وأخذوا دوابهم، ورجعوا بأسوأ حال، فكتب علي إلى الخبيث بذلك فعنفه وقال: ضيعت أمري في ترك الرهائن؛ وكتب إلى محمد يتهدده، فخاف محمد وكتب يخضع ويذل، ورد بعض الدواب وقال: إنني كبست من كانت عندهم، وخلصت هذه منهم. فأظهر الخبيث الغضب عليه، فأرسل محمد إلى بهبود، ومحمد بن يحيى الكرماني، وكانا أقرب الناس إلى علي، فضمن لهما مالاً إن أصلحا له علياً وصاحبه، ففعلا ذلك، فأجابهما الخبيث إلى الرضى عن محمد على أن يخطب له على منابر بلاده، وأعلما محمداً ذلك، فأجابهما إلى كل ما طلبأن وجعل يراوغ في الدعاء له على المنابر.
ثم إن علياً استعد لمتوث، وسار إليهأن فلم يظفر بهأن فرجع، وعمل السلاليم والآلات التي يصعد بها إلى السور، واستعد لقصدهأن فعرف ذلك مسرور البلخي، وهويومئذ بكور الأهواز، فلما سار علي إليها سار إليه مسرور، فوافاه قبل المغرب وهونازل عليهأن فلما عاين الزنج أوائل خيل مسرور انهزموا أقبح هزيمة، وتركوا جميع ما كانوا أعدوه، وقتل منهم خلق كثير، وانصرف علي مهزومأن فلم يلبث إلا يسيراً حتى أتته الأخبار بإقبال الموفق، ولم يكن لعلي بعد متوث وقعة، حتى فتحت سوق الخميس وطهثا على الموفق، فكتب إليه صاحبه يأمره بالعود إليه، ويستحثه حثاً شديداً.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة ولى عمروبن الليث عبيد الله بن عبد اله بن طاهر خلافته على الشرطة ببغداد وسر من رأى في صفر، وخلع عليه الموفق، وعمروابن الليث.
وفيهأن في صفر، غلب اساتكين على الشرطة وهي الآن من أعمال سجستان، وعلى الري، وأخرج منهاخطلنخجور العامل عليهأن ثم مضى إلى قزوين وعليها أخو كيغلغ، فصالحه، ودخل اساتكين قزوين، ثم رجع إلى الري.
وفيها وردت سرية من سرايا الروم إلى تل يسهى، من ديار ربيعة، فأسرت نحواً من مائتين وخمسين إنسانأن ومثلت بالمسلمين، فنفر إليهم أهل الموصل ونصيين، فرجعت الروم.
وفيها مات أبوالساج بجند يسابور، منصرفاً من عسكر عمروبن الليث إلى بغداد؛ ومات قبله سليمان بن عبد اله بن طاهر، وولى عمروبن الليث فيها أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف أصبهان؛ وولى محمد ابن أبي الساج طريق مكة والحرمين.
وفيها فارق إسحاق بن كنداج أحمد بن موسى بن بغأن وكان سبب ذلك أن أحمد لما سار إلى الجزيرة، وولي موسى بن اتامش ديار ربيعة، أنكر ذلك إسحاق بن كنداج، وفارق عسكره، وسار إلى بلد، فأوقع بالأكراد اليعقوبية فهزمهم، وأخذ أموالهم، ثم لقي ابن مساور الخارجي فقتله، وسار إلى الموصل فقاطع أهلها على مال قد أعدوه.
وكان قائد كبير بمعلثايا، اسمه علي بن داود، وهوالمخاطب له عن أهل الموصل، والمدافع، فسار ابن كنداج إليه، فلما بلغه الخبر فارق معلثايأن وعبر دجلة، ومعه حمدان بن حمدون، إلى إسحاق بن أيوب بن أحمد التغلبي العدوي، فاجتمعوا كلهم فبلغت عدتهم نحوخمسة عشر ألفأن وسمع ابن كنداج باجتماعهم، فعبر إلى بلد، وعبر دجلة إليه وهوفي ثلاثة آلاف، وسار إلى نهر أيوب، فالتقوا بكراثا وهي التي تعرف اليوم بتل موسى وتصافوا للحرب، فأرسل مقدم ميسرة ابن أيوب إلى ابن كنداج يقول له: إنني في الميسرة، فاحمل علي لأنهزم؛ ففعل ذلك، فانهزمت ميسرة ابن أيوب، وتبعها الباقون، فسار حمدان بن حمدون، وعلي بن داود إلى نيسابور وأخذ ابن أيوب نحونصيبين، فاتبعه ابن كنداج، فسار ابن أيوب عن نصيبين إلى آمد، واستولى ابن كنداج على نصيبين وديار ربيعة، واستجار ابن أيوب بعيسى بن الشيخ الشيباني، وهوبآمد، فأنجده، وطلب النجدة من أبي المعز بن موسى بن زرارة، وهوبأزرن، فأنجده أيضأن وعاد ابن كنداج إلى الموصل، ووصل إليه من الخليفة المعتمد عهد بولاية الموصل، فعاد إليهأن فأرسل إليه ابن الشيخ وابن زرارة وغيرهما بذلوا له مائتي ألف دينار ليقرهم على أعمالهم، فلم يجبهم، فاجتمعوا على حربه، فلما رأى ذلك أجابهم إلى ما طلبوا وعاد عنهم وقصدوا بلادهم.
وفيها أمر محمد بن عبد الرحمن بإنشاء مراكب بنهر قرطبة، وحملها إلى البحر المحيط، وكان سبب عملها أنه قيل له إن جليقية ليس لها مانع من جهة البحر المحيط، وإن ملكها من هناك سهل، فأمر بعمل المراكب، فلما فرغت، وكملت برجالها وعدتها، سيرها إلى البحر المحيط، فلما دخلته المراكب تقطعت، ولم يجتمع منها مركبان، ولم يرجع منها إلا اليسير.
وفيها التقى أسطول المسلمين وأسطول الروم عند صقلية، فجرى بينهم قتال شديد، فظفر الروم بالمسلمين، وأخذوا مراكبهم، وانهزم من سلم منهم إلى مدينة بلرم بصقلية.
وفيها مكان بإفريقية غلاء شديد وقحط عظيم، كادت الأقوات تعدم.
وفيها قتل أهل حمص عاملهم عيسى الكرخي.
وفيها أسرى لؤلؤ غلام أحمد بن طولون من رابية بني تميم إلى موسى بن أتامش، وهوبرأس عين، فأخذه أسيرأن وسيره إلى الرقة، ثم لقي لؤلؤ أحمد بن موسى بن أتامش ومن معه من الأعراب، فانهزم لؤلؤ، ورجع الأعراب إلى عسكر أحمد لينهبوه، فطف عليهم لؤلؤ وأصحابه، فانهزموأن فبلغت هزيمتهم قرقيسيأن ثم ساروا إلى بغداد وسامرأن وقد ذكرت فيما تقدم أن الذي أسر موسى غير لؤلؤ على ما ذكره مؤرخومصر.
وفيها كانت بين أحمد بن عبد العزيز وبكتمر رقعة، فانهزم بكتمر، وسار إلى بغداد.
وفيها أوقع الخجستاني بالحسن بن زيد بجرجان، وهوغار، فلحق بآمل، وغلب الخجستاني على جرجان وأطراف طبرستان، وكان الحسن لما سار عن طبرستان إلى جرجان استخلف بسارية الحسن بن محمد بن جعفر بن عبد الله ابن حسين الأصغر العقيقي، فلما انهزم الحسن ين زيد أظهر العقيقي بسارية أنه قتل، ودعا إلى البيعة لنفسه، فبايعه قوم، ووافاه الحسن بن زيد، فحاربه، ثم ظفر به فقتله.
وفيها كانت وقعة بين الخجستاني وعمروبن الليث انهزم فيها عمرو، ودخل الخجستاني نيسابور، وأخرج منها عامل عمروومن كان يميل إليه.
وفيها كانت فتنة بالمدينة ونواحيها بين العلويين والجعفريين.
وفيها وثب الأعراب على كسوة الكعبة فانتهبوهأن وصار بعضها إلى صاحب الزنج، وأصاب الحجاج فيها شدة شديدة.
وفيها خرجت الروم على ديار ربيعة، فاستنفر الأنس، فنفروا في برد شديد لا يمكن فيه دخول الدرب.
وفيها غزت سيما خليفة أحمد بن طولون على الثغور الشامية في ثلاثمائة رجل من أهل طرسوس، فخرج عليهم نحومن أربعة آلاف من بلاد هرقلة، فاقتتلوا قتالاً شديدأن وقتل المسلمون خلقاً كثيراً من العدو، وأصيب من المسلمين جماعة.
وفيها كانت بمدينة النبي، صلى الله عليه وسلم، حرب بين العلويين والجعفريين، وغلا السعر بها حتى تعذرت الأقوات، وعم الغلاء سائر البلاد من الحجاز، والعراق، والموصل، والجزيرة، والشام، وغير ذلك، إلا أنه لم يبلغ الشدة التي بالمدينة.
وفيها كان الناس في البلاد التي تحت حكم الخليفة جميعها في شدة عظيمة بتغلب القواد وأمراء الأجناد على الأمر وقلة المراقبة والأمن من إنكار ما يأتونه ويفعلونه، لاشتغال الموفق بقتال صاحب الزنج، ولعجز الخليفة المعتمد، واشتغاله بغير ذلك.
وفيها اشتد الحر في تشرين الثاني، ثم اشتد فيه البرد حتى جمد الماء.
وفيها قدم محمد بن أبي الساج مكة، فحاربه المخزومي فهزمه محمد، واستباح ماله، وذلك يوم التروية.
وفيها سار كيغلغ إلى الجبل وبكتمر راجعاً إلى الدينور. وحج بالناس في هذه السنة هارون بن محمد بن إسحاق بن موسى بن عيسى الهاشمي.
وفيها توفي محمد بن شجاع أبوبكر الثلجي، وكان من أصحاب الحسن ابن زياد اللؤلؤي صاحب أبي حنيفة، الثلجي بالثاء المعجمة بثلاث والجيم.
وفيها توفي صالح بن أحمد بن حنبل، وكان مولده سنة ثلاث وثلاثين ومائتين.

.حوادث سنة سبع وستين ومائتين:

.ذكر أخبار الزنج:

وفيها غلب أبوالعباس بن الموفق على عامة ما كان بيد سليمان بن جامع والزنج من أعمال دجلة، وأبوالعباس هذا هوالذي صار خليفة بعد المعتمد، فلقي المعتضد بالله.
وكان سبب مسيره أن الزنج لما دخلوا واسط، وعملوا بأهلها ما ذكرنأن بلغ ذلك الموفق، فأمر ابنه بتعجيل المسير بين يديه إليهم، فسار في ربيع الآخر سنة ست وستين ومائتين، وشيعه أبوه، وسير معه عشرة آلاف من الرجالة والخيالة في العدة الكاملة، وأخذ معه الشذوات، والسميريات، والمعابر للرجالة، فسار حتى وافى إلى دير العاقول.
وكان على مقدمته في الشذوات نصير، المعروف بأبي حمزة، فكتب إليه نصير يخبره أن سليمان بن جامع قد وافى بخيلة ورجله في شذوات وسميريات، والحياتي على مقدمته، حتى نزل الجزيرة بحضرة بردرويا، وأن سليمان بن موسى الشعراني قد وافى نهر أبا بخيله ورجله في سميريات، فركب أبوالعباس حتى وافى الصلح، ووجه طلائعه ليعرف أخبارهم، فعادوا وأعلموه بموافاة الزنج وجيشهم، وأن أولهم بالصلح، وآخرهم ببستان موسى بن بغأن أسفل واسط.
وكان سبب جمع الزنج وحشدهم أنهم قالوا: إن أبا العباس فتى حدث، غر بالحرب، والرأي لنا أن نرميه بحدنا كله، ونجبهه في أول مرة نلقاه في إزالته، فلعل ذلك يروعه فينصرف عنا؛ فجمعوأن وحشدوأن فلما علم أبوالعباس قربهم عدل عن سنن الطريق، واعترض في مسيره، ولقي أصحابه أوائل الزنج، فتطاردوا لهم، حتى طمعوا فيهم، واغتروا وابتعوهم، وجعلوا يقولون: اطلبوا أميراً للحرب، فإن أميركم قد اشتغل بالصيد.
فلما قربوا منه خرج عليهم فيمن معه من الخيل والرجل، وصاح بنصير: إلى أين تتأخر عن هذه الأكلب! فرجع نصير، وركب أبوالعباس سميرية وحف به أصحابه من جميع الجهات، فانهزمت الزنج، وكثر القتل فيهم، وتبعوهم إلى أن وصلوا قرية عبد الله، وهي على ستة فراسخ من الموضع الذي لقوهم به، وأخذوا منهم خمس شذوات، وعدة سميريات، وأسر جماعة، واستأمن جماعة، فكان هذا أول الفتح، فسار سليمان بن جامع إلى نهر الأمير، وسار سليمان بن موسى الشعراني إلى سوق الخميس، وانحدر أبوالعباس فأقام بالعمر وهوعلى فرسخ من واسط، وأصلح شذواته، وجعل يراوح القوم القتال ويغاديهم.
ثم إن سليمان استعد وحشد، وجعل أصحابه في ثلاثة أوجه، قالوا: إنه حدث، غر يغرر بنفسه، وكمنوا كناء، فبلغ الخبر أبا العباس، فحذروا وأقبلوا وقد كمنوا الكمناء ليغتر بأتباعهم فيخرج الكمين عليه، فمنع أبوالعباس أصحابه أن يتبعوهم، فلما علموا أن كيدهم لم يتم خرج سليمان في الشذوات والسميريات، فأمر أبوالعباس نصيراً أن يبرز إليهم، وركب هوشذاة من شذواته سماها الغزال، ومعه جماعة من خاصته، وأمر الخيالة بالمسير بإزائه على شاطئ النهر إلى أن ينقطع، فعبروا دوابهم، ونشبت الحرب بين الفريقين، فوقعت الهزيمة على الزنج، وغمن أبوالعباس منهم أربع عشرة شذاة، وأفلت سليمان والحياتي بعد أن أشفيا على الهلاك، وبلغوا طهثا وأسلموا ما كان معهم.
ورجع أبوالعباس إلى معسكره، وأمر بإصلاح ما أخذ منهم من الشذوات والسميريات، وأقام الزنج عشرين يوماً لا يظهر منهم أحد، وجعلوا على طريق الخيل آبارأن وجعلوا فيها سفافيد حديد، وجعلوا على رؤوسهم البواري والتراب ليسقط فيها المجتازون، فاتفق أنه سقط فيها رجل من الفراغنة، ففطنوا لهأن وتركوا ذلك الطريق.
واستمد سليمان صاحب الزنج، فأمده بأربعين سميرية بآلاتها ومقاتليهأن فعادوا للتعرض للحرب، فلم يكونوا يثبتون لأبي العباس؛ ثم سير إليهم عدة سميريات، فأخذها الزنج، فبلغه الخبر وهويتغذى، فركب في سميرية، ولم ينتظر أصحابه، وتبعه منهم من خف، فأدرك الزنج، فانهزموأن وألقوا أنفسهم في الماء، فاستنقذ سميرياته ومن كان فيهأن وأخذ منهم إحدى وثلاثين سميرية؛ ورمى أبوالعباس، يومئذ، عن قوس حتى دميت إبهامه؛ فلما رجع أمر لمن معه بالخلع، وأمر بإصلاح السميريات المأخوذة من الزنج.
ثم إن أبا العباس رأى أن يتوغل في مازروان حتى يصير إلى الحجاجية ونهر الأمير، ويعرف ما هناك، فقدم نصيراً في أول السميريات وركب أبوالعباس في سميرية ومعه محمد بن شعيب، ودخل مازوران وهويظن أن نصيراً أمامه، فلم يقف له على خبر، وكان قد سار على غير طريق أبي العباس، وخرج من مع أبي العباس من الملاحين إلى غمن رأوها ليأخذوهأن فبقي هوومحمد بن شعيب، فأتاهما جمع من الزنج من جانبي النهر، فقاتلهم أبون العباس بالنشاب، ووافاه زيرك في باقي الشذوات، فسلم أبوالعباس وعاد إلى عسكره.
ورجع نصير وجمع سليمان بن جامع أصحابه بطهشا وتحصن الشعراني وأصحابه بسوق الخميس، وجعلوا يحملون الغلات إليهأن وكذلك اجتمع بالصينية جمع كثير، فوجه أبوالعباس جماعة من قواده على الخيل إلى ناحية الصينية، وأمرهم بالمسير في البر، وإذا عرض لهم نهر عبروه، وركب هوفي الشذوات والسميريات، فلما أبصرت الزنج الخيل خافوأن ولجأوا إلى الماء والسفن، فلم يلبثوا أن وافتهم الشذا مع أبي العباس، فلم يجدوا ملجأن فاستسلموأن فقتل منهم فريق، وأسر فريق، وألقى نفسه في الماء فريق، وأخذ أصحاب أبي العباس سفنهم وهي مملوءة أرزأن وأخذ الصينية، وأزاح الزنج عنهأن فانحازوا إلى طهثا وسوق الخميس.
وكان قد رأى أبوالعباس كركيأن فرماه بسهم، فسقط في عسكر الزنج، فعرف الزنج السهم فزاد ذلك في خوفهم، ورجع أبوالعباس إلى عسكره وقد فتح الصينية.
وبلغه أن جيشاً عظيماً للزنج مع ثابت بن أبي دلف ولؤلؤ الزنجيين، فسار إليهم، وأوقع بهم وقعة عظيمة وقت السحر، فقتل منهم خلقاً كثيرأن منهم لؤلؤ، واسر ثابتأن فمن عليه، وجعله مع بعض قواده، واستنقذ من النساء خلقاً كثيرأن فأمر بإطلاقهن وردهن إلى أهلهن، وأخذ كل ما كان الزنج جمعوه، وأمر أصحابه أن يستريحوا لمسير إلى سوق الخميس، وأمر نصيراً بتعبئة أصحابه للمسير، فقال له: إن نهر سوق الخميس ضيق، فأقم أنت ونسير نحن؛ فأبى عليه، فقال له محمد بن شعيب: إن كنت لا بد فاعلاً فلا تكثر من الشذأن ولا من الرجال، فإن النهر ضيق.
فسار إليه، ونصير بين يديه، إلى فم نهر مساور، فوقف أبوالعباس، وتقدمه نصير في خمس عشرة شذاة في نهر براطق، وهوالذي يؤدي إلى مدينة الشعراني التي سماها المنيعة في سوق الخميس، فلما غاب عنه نصير خرج جماعة كبيرة في البر على أبي العباس، فمنعوه من الوصول إلى المدينة، وقاتلوه قتالاً شديداً من أول النهار إلى الظهر، وخفي عليه خبر نصير، وجعل الزنج يقولون: قد قتلنا نصيراً. واغتم أبوالعباس لذلك، وأمر محمد بن شعيب يتعرف خبره، فسار، فرآه عند عسكر الزنج وقد أحرقه وأضرم النار في مدينتهم، وهويقاتلهم قتالاً شديدأن فعاد إلى أبي العباس فاخبره، فسر بذلك.
وأسر نصير من الزنج جماعة كثيرة، ورجع حتى وافى أبا العباس فأخبره، ووقف أبوالعباس يقاتلهم، فرجعوا عنه، وكمن بعض شذواته، وأمر أن يظهر واحدة منهأن فطمعوا فيها وتبعوها حتى أدركوها فعلقوا بسكانهأن فخرجت عليهم السفن المكمنة وفيها أبوالعباس، فانهزم الزنج، وغمن أبوالعباس منهم ست سميريات، وانهزموا لا يلوون على شيء من الخوف، ورجع إلى عسكره سالمأن وخلع على الملاحين وأحسن إليهم.

.ذكر وصول الموفق إلى قتال الزنج وفتح المنيعة:

وفيها في صفر سار الموفق عن بغداد إلى واسط لحرب الزنج؛ وكان سبب تأخره عن ابنه أبي العباس هذه المدة أنه يجمع ويحشد الفرسان والرجالة، ويستكثر من العدة التي يقوى بها على حرب الزنج، ويسد الجهات التي يخاف فيها لئلا يبقى له ما يشغل قلبه.
إلا أن الخبيث رئيس الزنج قد أرسل إلى علي بن أبان المهلبي يأمره بالاجتماع مع سليمان بن جامع على حرب أبي العباس، فخاف وهناً يتطرق إلى ابنه أبي العباس، فسار عن بغداد في صفر، فوصل إلى واسط في ربيع الأول، فلقيه ابنه، واخبره بحال جنده وقواده، فخلع عليه وعليهم، ورجع أبوالعباس إلى معسكره بالعمر، ثم نزل الموفق على نهر شداد بإزاء قرية عبد الله، وأمر ابنه أن يسير لما معه من آلات الحرب إلى فوهة نهر مساور، فرحل في نخبة أصحابه، ورحل الموفق بعده، فنزل فوهة نهر مساور فأقام يومين.
ثم رحل إلى المدينة التي سماها صاحب الزنج المنيعة من سوق الخميس يوم الثلاثاء لثمان خلون من ربيع الآخر من هذه السنة، وسلك بالسفن في نهر مساور، وسارت الخيل بإزائه شرقي نهر مساور، حتى جاوزوا براطق الذي يوصل إلى المنيعة، وأمر بتعبير الخيل، وتصييرها من الجانبين، وأمر ابنه العباس بالتقدم بالشذا بعامة الجيش، ففعل، فلقيه الزنج، فحاربوه حرباً شديدة، ووافاهم أبوأحمد الموفق والخيل من جانبي النهر، فلما رأوا ذلك انهزموا وتفرقوأن وعلا أصحاب أبي العباس السور، ووضعوا السيوف فيمن لقيهم، ودخلوا المدينة فقتلوا فيها خلقاً كثيرأن وأسروا عالماً عظيمأن وغمنوا ما كان فيهأن وهرب الشعراني ومن معه، وتبعه أصحاب الموفق إلى البطائح، فغرق منهم خلق كثير، ولجأ الباقون إلى الآجام.
ورجع أبوأحمد إلى معسكره من يومه، وقد استنقذ من المسلمات زهاء خمسة آلاف امرأة سوى من ظفر به من الزنجيات، وأمر أبوأحمد بحفظ النساء وحملهم إلى واسط ليدفعن إلى أهلهن، ثم بكر إلى المدينة، فأمر الناس بأخذ ما فيهأن فأخذ جميعه، وأمر بهدم سورهأن وطم خندقهأن وإحراق ما بقي بها من السفن، وأخذوا من الطعام، والشعير، والأرز، وغير ذلك، ما لأحد عليه، فأمر ببيع ذلك وصرفه إلى الجند.
ولما انهزم سليمان ولحق بالمزار، وكتب إلى الخائن، صاحب الزنج، بذلك، فورد الكتاب عليه وهويتحدث، فانحل بطنه، فقام إلى الخلاء دفعات، وكتب إلى سليمان بن جامع يحذره مثل الذي نزل بالشعراني، ويأمره بالتيقظ.
وأقام الموفق بنهر مساور يومين يتعرف أخبار الشعراني وسليمان ابن جامع، فأتاه من أخبره أن سليمان بن جامع بالحوانيت فسار حتى وافى الصينينة، وأمر ابنه العباس بالتقدم بالشذا والسميريات إلى الجوانيت مختفيأن فسار أبوالعباس إليهأن فلم ير سليمان بهأن ورأى هناك جميعاً من الزنج مع قائدين لهم خلفهم سليمان بن جامع هناك لحفظ غلات كثيرة لهم فيهأن فحاربهم أبوالعباس، ودامت الحرب إلى أن حجز بينهم الليل، واستأمن إلى أبي العباس رجل، فسأله عن سليمان بن جامع، وأخبره أنه مقيم بطهثأن بمدينته التي سماها المنصورة، فعاد أبوالعباس إلى أبيه بالخبر، فأمره بالمسير إليه، فسار حتى نزل بردودأن فأقام بها لإصلاح ما يحتاج إليه، واستكثر من الآلات اليت يسد بها الأنهار، ويصلح بها الطرق لخيل، وخلف ببردودا بفراج التركي.